لذيذ جدا فيلم عجميستا .. ستشعر بهذا لو كنت أديباً أو تحاول أن تكون أديباً ..
الفيلم ببساطة يسلط الضوء على شخصيتين، شخصية الكاتب وشخصية تصلح لأن تكون مصدراً للكتابة. خالد أبو النجا أو (عز) هو مجرد شخص آخر ممن يرون في أنفسهم القدرة على الإبداع، ولكنه لم يستطع أن يكتب شيئاً .. جميل أن تشعر برغبة في عمل شيء ولكنك لا تستطيع أن تفعله رغم كل المحاولات. يسافر العجمي في رغبة منه في التواجد وسط الطبيعة الساحرة حيث الإلهام سهل النزول. لكن تبقى المشكلة وهي أن شيئاً لا يريد أن يُكتب.
ويصطدم عز بشخصية شريف رمزي أو (شجلوف) كما ينادونه، في البداية يجيد السيناريو وضع موقف للتعرف بين البطلين ،ثم يكتشف عز أنها مادة خصبة للكتابة، ويبدأ يندمج معه في عالمه بكل كيانه، ويبدأ الوحي في النزول عليه، ويكتب ويكتب ويكتب، ويبدأ الفيلم يكشف لنا كيف أن الرغبة في أن تكون شيئاً وحدها لا تكفي .. بل يجب أن تندمج تماماً في مهنتك، فلو أردت أن تكون كاتباًً فيجب أن تتصرف كالأدباء، تكتشف عوالماً وتسمع وتحتك وتضحك وتتجهم. كل هذا لكي تستطيع أن تجيد ما تريد أن تجيده. وهكذا تصرف عز وهكذا بدأ يشعر بالسعادة، وبدأ يدرك أن ما سبق من حياته كان مجرد فكرة واحدة، ولهذا لم يكن يستطيع أن يكتب شيئاً. والآن هو قد اندمج في عالم شجلوف تماماً وأصبح يعرف الكثير من خباياه وأسراره، فكأن المؤلف يرسل لنا رسالة بان الجلوس على المكتب ونزول هبوط الوحي بفكرة لن يأتي .. يجب أن تكون كاتباً بحق، فتكون أنت المغامر قبل أن تكتب المغامرة. وهي نقطة هامة للغاية إن أردت أن تكون كاتباً.
والشخصية الثانية هي شخصية شريف رمزي أو شجلوف .. شخصية متورطة، لديها مصائب وهموم لا تعد ولا تحصى، وحياته دوماً في خطر، وقد حاول استغلال عز في البداية ولكنه فشل، ولكنه دوماً يصر على أن تكون كرامته هي الأساس في التعامل مع غيره. وهي كما صورها الفيلم مادة خصبة وتعتبر عالما كاملاً يصلح لأن يكون مصدراً للأفكار الجيدة بالنسبة للأدباء.
في بداية الفيلم كان هناك الكثير من المشاهد التي تهدف لإقحام شجلوف في حياة عز، مشهد المطاردة والاختباء واستدعاء الحداد وتعرض شجلوف لخطر الضرب المبرح من الجزار بائع الحشيش، كل هذا كان لإقحام شجلوف في حياة الكاتب الذي ينتظر وحياً دون جدوى.
من مشاهد الفيلم الجميلة ما كان يرسمه عز من خطوط متداخله يفسر بها حياته، فإذا بشجلوف يأخذ القلم والورقة منه ويرسم شخطبة أعظم منها ويقول أنها تعبر عن حياتهن فعز يعبر عن إحباطه وكذلك شجلوف، ولكن عز استطاع أن يستفيد من هذه الشخبطة.
في نهاية الفيلم يتعرض شجلوف لصدمة وهي أن صديق عز يخبره أنه مجرد فأر تجارب، وهذا يطرق نقطة هامة في القضية، إذ هل على الكاتب أن يكتشف عوالماً مختلفة وكأنه يخضع فئراناً لتجربة، فلا يشعر بأهميتهم بل يتظاهر بها، أم أن عليه أن يكون حقاً جزءاً من هذا العالم يتأثر به ويتعاطف معه ويحميه بل وينقذه حتى ولو كان الثمن حياته. شجلوف في النهاية تعرض لخطر الموت، فلما ذهب صديقه ليخبر عز قال عز في تعال
" أنا أصلاً ماكنش لازم أدخل الأشكال دي حياتي"
وكان هذا بعد إنتهاءه من كتابة الرواية، وكأنه حصل على ما يريد ثم ترك هذا العالم يولع نار. مشهد جميل في نهاية الفيلم يعطي فيه عز الرواية لصديقه ليرسلها لدار النشر، ويبدأ هو في رحلة إنقاذ شجلوف، وكأنه يريد إخبارنا بأن الحصول على الرواية من عالم جديد هو شيء رائع، ولكن يجب أن تتم رسالتك بعدها وتدافع عن الخطر الذي يتهدد هذا العالم ، فتتم مطاردة مميتة وجيدة الإخراج، ويدافع عز عن شجلوف بحياته وينقذه بل ويهديه المال الذي تعاقد عليه مع دار النشر مقابل شركته ويمنحه الشاليه الذي يملكه، في لفتة رائعة أن العالم الذي كتبت عنه يجب أن تحترمه وتقدره وتحمل له عرفاناً وجميلاً وتكون كذلك جزءاً لا يتجزء منه.
خالد أبو النجا وشريف رمزي أجادا للغاية أداء الدورين، واستحقا التحية والثناء ..والحق أن الفيلم أستطاع أن يتغلب على غياب النجوم بالتشويق المستمر.
مشهد المطاردة في نهاية الفيلم كان جيداً، ولكني فقط كنت مندهش من خلو الطريق من أية سيارات غير السيارتين اللتين تخوضان المطاردة.
القصة جديدة على السينما المصرية، أن تعالج كيف يهبط وحي القلم وكيف يجب أن تكون أديباً هي فكرة لم ارها من قبل في السينما المصرية، وهي إضافة جيدة ورائعة وتستحق الإشادة بصاحبها
فيلم رائع لا أستطيع أن أمنع نفسي من التصفيق له.
عماد الدين السيد
10/7/2008