الخميس، 10 يوليو 2008

عجميستا .. كيف تكون كاتباً بحق



لذيذ جدا فيلم عجميستا .. ستشعر بهذا لو كنت أديباً أو تحاول أن تكون أديباً ..

الفيلم ببساطة يسلط الضوء على شخصيتين، شخصية الكاتب وشخصية تصلح لأن تكون مصدراً للكتابة. خالد أبو النجا أو (عز) هو مجرد شخص آخر ممن يرون في أنفسهم القدرة على الإبداع، ولكنه لم يستطع أن يكتب شيئاً .. جميل أن تشعر برغبة في عمل شيء ولكنك لا تستطيع أن تفعله رغم كل المحاولات. يسافر العجمي في رغبة منه في التواجد وسط الطبيعة الساحرة حيث الإلهام سهل النزول. لكن تبقى المشكلة وهي أن شيئاً لا يريد أن يُكتب.

ويصطدم عز بشخصية شريف رمزي أو (شجلوف) كما ينادونه، في البداية يجيد السيناريو وضع موقف للتعرف بين البطلين ،ثم يكتشف عز أنها مادة خصبة للكتابة، ويبدأ يندمج معه في عالمه بكل كيانه، ويبدأ الوحي في النزول عليه، ويكتب ويكتب ويكتب، ويبدأ الفيلم يكشف لنا كيف أن الرغبة في أن تكون شيئاً وحدها لا تكفي .. بل يجب أن تندمج تماماً في مهنتك، فلو أردت أن تكون كاتباًً فيجب أن تتصرف كالأدباء، تكتشف عوالماً وتسمع وتحتك وتضحك وتتجهم. كل هذا لكي تستطيع أن تجيد ما تريد أن تجيده. وهكذا تصرف عز وهكذا بدأ يشعر بالسعادة، وبدأ يدرك أن ما سبق من حياته كان مجرد فكرة واحدة، ولهذا لم يكن يستطيع أن يكتب شيئاً. والآن هو قد اندمج في عالم شجلوف تماماً وأصبح يعرف الكثير من خباياه وأسراره، فكأن المؤلف يرسل لنا رسالة بان الجلوس على المكتب ونزول هبوط الوحي بفكرة لن يأتي .. يجب أن تكون كاتباً بحق، فتكون أنت المغامر قبل أن تكتب المغامرة. وهي نقطة هامة للغاية إن أردت أن تكون كاتباً.

والشخصية الثانية هي شخصية شريف رمزي أو شجلوف .. شخصية متورطة، لديها مصائب وهموم لا تعد ولا تحصى، وحياته دوماً في خطر، وقد حاول استغلال عز في البداية ولكنه فشل، ولكنه دوماً يصر على أن تكون كرامته هي الأساس في التعامل مع غيره. وهي كما صورها الفيلم مادة خصبة وتعتبر عالما كاملاً يصلح لأن يكون مصدراً للأفكار الجيدة بالنسبة للأدباء.

في بداية الفيلم كان هناك الكثير من المشاهد التي تهدف لإقحام شجلوف في حياة عز، مشهد المطاردة والاختباء واستدعاء الحداد وتعرض شجلوف لخطر الضرب المبرح من الجزار بائع الحشيش، كل هذا كان لإقحام شجلوف في حياة الكاتب الذي ينتظر وحياً دون جدوى.

من مشاهد الفيلم الجميلة ما كان يرسمه عز من خطوط متداخله يفسر بها حياته، فإذا بشجلوف يأخذ القلم والورقة منه ويرسم شخطبة أعظم منها ويقول أنها تعبر عن حياتهن فعز يعبر عن إحباطه وكذلك شجلوف، ولكن عز استطاع أن يستفيد من هذه الشخبطة.

في نهاية الفيلم يتعرض شجلوف لصدمة وهي أن صديق عز يخبره أنه مجرد فأر تجارب، وهذا يطرق نقطة هامة في القضية، إذ هل على الكاتب أن يكتشف عوالماً مختلفة وكأنه يخضع فئراناً لتجربة، فلا يشعر بأهميتهم بل يتظاهر بها، أم أن عليه أن يكون حقاً جزءاً من هذا العالم يتأثر به ويتعاطف معه ويحميه بل وينقذه حتى ولو كان الثمن حياته. شجلوف في النهاية تعرض لخطر الموت، فلما ذهب صديقه ليخبر عز قال عز في تعال

" أنا أصلاً ماكنش لازم أدخل الأشكال دي حياتي"

وكان هذا بعد إنتهاءه من كتابة الرواية، وكأنه حصل على ما يريد ثم ترك هذا العالم يولع نار. مشهد جميل في نهاية الفيلم يعطي فيه عز الرواية لصديقه ليرسلها لدار النشر، ويبدأ هو في رحلة إنقاذ شجلوف، وكأنه يريد إخبارنا بأن الحصول على الرواية من عالم جديد هو شيء رائع، ولكن يجب أن تتم رسالتك بعدها وتدافع عن الخطر الذي يتهدد هذا العالم ، فتتم مطاردة مميتة وجيدة الإخراج، ويدافع عز عن شجلوف بحياته وينقذه بل ويهديه المال الذي تعاقد عليه مع دار النشر مقابل شركته ويمنحه الشاليه الذي يملكه، في لفتة رائعة أن العالم الذي كتبت عنه يجب أن تحترمه وتقدره وتحمل له عرفاناً وجميلاً وتكون كذلك جزءاً لا يتجزء منه.

خالد أبو النجا وشريف رمزي أجادا للغاية أداء الدورين، واستحقا التحية والثناء ..والحق أن الفيلم أستطاع أن يتغلب على غياب النجوم بالتشويق المستمر.

مشهد المطاردة في نهاية الفيلم كان جيداً، ولكني فقط كنت مندهش من خلو الطريق من أية سيارات غير السيارتين اللتين تخوضان المطاردة.

القصة جديدة على السينما المصرية، أن تعالج كيف يهبط وحي القلم وكيف يجب أن تكون أديباً هي فكرة لم ارها من قبل في السينما المصرية، وهي إضافة جيدة ورائعة وتستحق الإشادة بصاحبها

فيلم رائع لا أستطيع أن أمنع نفسي من التصفيق له.

عماد الدين السيد

10/7/2008

الأحد، 22 يونيو 2008

ملك وكتابة .. عاوزين نشيل الخوف من جواك علشان الوش التاني يبان

ربما لم أكن متحمساً لمحمود حميدة يوماً ولم أكن من محبي مشاهدة أفلامه، ولهذا تأخرت كثيراً قبل مشاهدة هذا الفيلم. ولكني وبعد مشاهدة الفيلم أحسست بما أحسست به ناحية كمال الشناوي بعد دوره الرائع في مسلسل هند والدكتور نعمان.

محمود حميدة في هذا الفيلم تفوق على نفسه واستطاع أن يقدم شخصية صعبة للغاية، واستطاع كذلك أن يحاكي ببراعة تحولها من الصرامة المطلقة للخفة والمرح متنقلاً باقتدار بين وجهي العملة، الملك والكتابة.

فكرة الفيلم بسيطة ولكنها لذيذة للغاية، فكرة أن الشكل والمضمون يجب أن يكونا متشابهين، وأن المشاكل النفسية والاضطرابات لا تأتي إلا عند اختلاف الشكل مع المضمون.

محمود حميدة يجسد شخصية أستاذ مسرحي حاد الطباع صارم لا يعرف للمزاح طريقاً، ويعامل نفسه ويعامل غيره بهذه الطريقة المرهقة، لم يعط لنفسه الفرصة لكي يكشف الحقائق ويواجهها، ولم يتعامل مع الأمور إلا بطريقة سطحية لمجرد أنه يرى أنها يجب أن تُعامل هكذا، الامر الذي جعل حياته كلها مزيفة كما قال. تزوج امرأة لم يحبها، ولم يمثل تحت شعار تقديس مهنة التدريس، ولم يكون علاقات مع الطلبة الذين يلتقي بهم كل يوم. كل هذا كان يعكس زيفاً وكان الزيف بسبب الخوف من المواجهه مع نفسه.

نقطة التحول تبدأ بالخيانة الزوجية، عندما عاد مبكراً ليجد زوجته في أحضان شاب، كانت الصدمة قوية وكشفت له حقيقة زيف حياته، ولكن رد فعله عندها كان مزيد من الحدة والصرامة والإنغلاق، وقد ظهر هذا في مشهد طرده لأحد الطلبة من مدرج المحاضرات وفي معاملته لهند صبري عندما أعلنت له رأيها بصراحة.

ولكن الأيام تمر وتهدأ نفسه نوعاً ويكتشف سخافته في التعامل مع هند صبري ويقدم لها الاعتذار، في خطوة جديدة لم يفعلها من قبل، وهو ما جعله يسأل صديقه بعدها " هو أنا ليه كدة"

وجه واحد كان يتعامل به محمود حميدة طيلة حياته، ويستمر الفيلم موضحاً كيف استطاعت هند صبري أن تزيح بهدوء هذا الوجه وتبدأ في قلب العملة وكشف الوجه الآخر، وكان هذا يعتمد على تحريره من الخوف الذي يسيطر عليه. وقد قالت هند هذا بوضوح " عاوزين نشيل الخوف من جوالك علشان الوش التاني يبان"

وبالفعل واجه خوفه من التمثيل عندما وجد نفسه فجأة يمثل أحد الأدوار، وبالرغم من فشل المحاولة الأولى إلا أن هند استطاعت اقناعه بالاستمرار..

وتحرر من خوفه تماماً عندما مثل في أحد الأفلام دور زوج تخونه زوجته، عندها واجه نفسه دون أن يدري، وقال ما كان يجب أن يقوله لزوجته يوم خيانتها له، مغيراً كلام السيناريو ومثيراً إعجاب المخرج، ليتحرر من خوفه وتبدأ حياته في الاستقرار النفسي.

ولأنه استقر نفسياً فقد تغيرت معاملته تماماً، ففي المحاضرة جاء المشهد ليحكي عن تحوله من الصرامة والجدية مع الطلاب إلى المرح وإطلاق الدعابات، وحتى في تخليه عن حبه لهند لانها يجب أن تبدأ حياتها مع من هو في سنها.

ملك وكتابة هو الشكل والمضمون، ولما يتوافق الشكل والمضمون تتحقق السعادة، ولما يختلفا تتحقق التعاسة، هكذا أراد الفيلم أن يقول.

فيلم ممتع وهو من الأفلام السايكو القليلة الرائعة في السينما المصرية.

عماد الدين السيد

السبت، 21 يونيو 2008

"هىّ فوضى" ... هل هىّ فعلاً محتاجة فوضى؟!!!

فيلم للمخرجين يوسف شاهين وخالد يوسف، بطولة الفنان الرائع خالد صالح فى أول بطولة مطلقة له، وتشاركه البطولة النجمة المتألقة منى شلبى، والقديرتان هالة فاخر وهالة صدقى.
فيلم ممتع.. هذا هو أول ما يتبادر لذهنك أثناء متابعتك لهذا الفيلم، نتيجة للإخراج الجيد والتمثيل المبدع لخالد صالح ...
الفيلم يطرح فكرة هامة ومخيفة وهى أن الفوضى لابد وأن تحارب بالفوضى، والبلطجة التى تأتى من قبل الشرطة لابد وأن يقابلها بلطجة من قبل الشعب، لأن القانون والتحركات الرسمية من السهل جداً تضليلها.
الشخصية الرئيسية هنا هى شخصية حاتم ..أمين الشرطة الذى يملك نفوذاً واسعاً فى المنطقة التى يحيا بها، يفرض سطوته على قسم الشرطة فيسجن من يريد ويعذب من يريد، بموافقة رئيس القسم وبإذنه.
يتميز حاتم بصفتين هامتين وهما السادية حيث يتلذذ بتعذيب الناس ورؤية ملامحهم الخائفة منه، وقد ظهر هذا فى سخريته من مصمم صور عندما قام بعمل 4 صور من الحجم الكبير بالألوان فى مقابل جنيه واحد فقط، قبل أن يقول له حاتم (إنت زعلان ..يابنى اللى مالهوش خير فى حاتم مالهوش خير فى مصر). وظهرت ساديته أيضاً فى تلذذه بتعذيب عسكرى يعمل تحت إمرته عندما وجده يتحدث مع فتاة يحبها، فأجبره على خلع ملابسه أمامها وأن يمسح بلاط السطح، وكذلك فى مشاهد تعذيبه الشديدة لبعض الشباب المتظاهر والذين هم فى السجن دون تحقيقات أو أمر بالقبض عليهم أو أى شىء.
والصفة الثانية هى حبه الشديد لأن يملك ما يريد .. إن أراد شىء أخذه بالقوة .. وهو ما جعله يغتصب حبيبته (نور- منة شلبى) لأنها رفضته واختارت وكيل النيابة الذى تحبه ويحبها. وهنا يتألق المخرجان فى رسم شخصية حاتم وفى تصوير الصراع النفسى الرهيب الذى يمر به حاتم. فحاتم يحب نور كما لم يحب من قبل، يستطيع بحيله أن يدخل شقتها فى غيابها وأمها، ويجلس فى غرفتها ويحتضن ملابسها، ويسرق صورها ويعلقها فى غرفته بعد تكبيرها، وتركيب وجهه نور على صورة فتاة ترتدى مايوه، وهو لا يكف عن التلصص عليها، فيراقبها أثناء استحمامها من شباك الحمام محاولاً التمتع بجسدها ولو بالنظرات فقط. ويقضى ليله فى أحلام اليقظة متمنياً أن تكون له للأبد.
فى البداية كان يضايق نور فى كل وقت حتى يقنعها بالزواج منه، ولكنه كان يريدها أن تأتى إليه بقلبها، لأنه يحبها جداً وقد جعله هذا يذهب إلى كل مكان لكى يعمل حجاب يجعلها تحبه، حتى أنه قد ذهب للكنيسة، وفى هذا المشهد لفتة من المخرجين لمعاناة المسيحين فى مصر من تضييق الأمن على حرية ممارستهم للعبادة. بل ويقرر أن يرتدى باروكه لعله يبدو جميلاً لتحبه فى مشهد الاضطراب الواقع فى تلك الشخصية.

ولكن نور الآن ارتبطت بوكيل النيابة، ولم يعد هو قادراً على التعرض لها بعد أن قام وكيل النيابة بتحرير محضر عدم تعرض لها وهدده بأن يجعله يترك وظيفته كأمين شرطة.
هنا يشتد الصراع النفسى ويصل إلى قمته، فحاتم يراقب الحبيبين فى كل مكان والحسرة تملؤه. ها هو قد فقد أهم شىء رغب فى أن يملكه. فيمسك مسدسه ويرغب فى الانتحار، ولكنه يعدل عن ذلك ويطلق الرصاص باتجاه صورة نور، ويفرغ كل طاقته فى تعذيب السجناء.
وقسم الشرطة هو صورة غير عادية للفوضى، تعذيب بدون وجه حق..سرقة لوحات قيمة تابعة لوزراة الثقافة كانت قد أودعتها فى القسم، يبلغ سر اللوحة نصف مليون جنيه. سجن النساء هو أقرب إلى بيت الدعارة، يفصله عن سجن الرجال حائط به فتحة صغيرة ينظر منها الرجل إلى الأجساد العارية مقابل خمسة جنيهات. كل من يدخل القسم هو فى خطر، فقد لا يخرج منه إن أراد حاتم هذا ... يسجن من يريد ويحبس من يريد ويفرج عن من يريد.
حاتم قرر أن يتحدث مع نور حديثاً ودياً حدثها فيه عن حبه الشديد لها، وعن طفولته المعذبة، وحسناً فعل المخرجان عندما جعلوا عرضه لطفولته عرضاً مكرراً سمعه الجميع مائة مرة من قبل على غرار " ولدت يتيماً وعمى كان يضربنى وخالتى تسمح لى بدخول الحمام بإذن". حتى لا يشعر المشاهد بأن هناك مبرر للفوضى التى يمارسها حاتم. حاتم بعد أن وجد رفض نور له قرر أن يقلبها فوضى فاختطفها واغتصبها وأثبت للقانون أنه لم يكن موجوداً وقتها.
هنا يدخل الفيلم فى عمق الفكرة ...من يواجه فوضى حاتم ... القانون أم الفوضى المماثلة ... القانون فشل حيث كان من السهل تضليله من قبل حاتم وأعوانه بينما الفوضى والبلطجة كانتا هما الحل. مشهد فانتازى من المخرجان جعل فيه نصف أهل شبرا يقوم بمظاهرات على قسم الشرطة بغية القضاء على حاتم بعد معرفتهم لما حدث لنور فحمل كل منهم الظلم الذى تعرض له من قبل حاتم وذهب للقسم لينتقم. وفى نفس الوقت كان وكيل النيابة يكشف ألاعيب رئيس القسم ويستطيع أن يتوصل لخيط هام كانوا قد أخفوه داخل القسم وهو مساعد حاتم فى اختطاف نور. هنا قال وكيل النيابة جملة لخصت الفيلم (بلطجة مقابل بلطجة) وسحب السلاح من مساعد رئيس القسم المتواطىء وأجبره بفتح زنزانة سرية وضع فيها مساعد حاتم بعد إخفاؤه من قبلهم حتى لا يتوصل إليه أحد.
فى الوقت نفسه كان حاتم بين أيدى الناس يضربونه ويعلنون ثورتهم عليه فى دعوة من المخرجين لمقابلة البلطجة بالبلطجة ..
ينتهى الفيلم بطلقة من مسدس حاتم ناحية وكيل النيابة أثناء احتضانه لنور أصابت كتفه ...لماذا هذه الطلقة ؟ ... قد تكون الفكرة أن حاتم لن يقضى عليه بسهولة فهو مستمر فى الإيذاء حتى لو كان فى نهايته. وقد تكون تلميح بأن مساوىء رجال الشرطة الغير شرفاء قد طالت سمعة الشرفاء.
وفى النهاية يقتل حاتم نفسه لأنه فشل فى الحصول على شىء أراده، ولأنه فقد كل نفوذه بعد صدور أمر بالقبض عليه، فهو لا يحتمل أبداً أن يُذل.

فكرة الثورة ومقابلة الفوضى بالفوضى ليست بجديدة ... بل قدمت من قبل فى عدة أفلام، فقدمت فى فيلم شىء من الخوف، وقدمها وحيد حامد فى فيلم النوم فى العسل، وقدمها بلال فضل بشكل هزلى فى فيلم سيد العاطفى ... كل هذه الأفلام عرض فكرة ثورة الشعب على الظالم أو الاعتراض على وضع سيء. والحق أن مستوى عرض الثورة فى الفيلم لم يكن جيداً، فقد ظهرت الثورة بشكل مفاجىء وكأن الناس قد قررت فجأة أن تنتقم مع أول صوت ينادى بالثورة، بينما كانت الثورة فى فيلم شىء من الخوف أعمق حيث ولدت تدريجياً، فكان الاعتراض الصامت والاكتفاء بالكلمات الساخطة والدعاء على عتريس وأعوانه سراً فى البداية، ثم وصل الأمر للمناقشة العلنية فى المسجد بعد زواج عتريس من فؤادة، ثم بلغ الأمر قمته لما مات ابن الشيخ ابراهيم فى يوم عرسه. وفى فيلم النوم فى العسل كانت الفكرة عميقة للغاية، فقد جربت الناس كل شىء بعد أن فقد أعز ما تملك، جربت الشعوذة والسحر والطب والشكوى والسخرية، قبل أن تعرف أن الحل الوحيد فى التظاهر والاعتراض فى مشهد من أروع المشاهد فى تاريخ السينما المصرية لما قاد عادل إمام الشعب كله فى مظاهرة متوجهاً نحو المسئولين.
أضعف مشاهد الفيلم هو مشهد دخيل على القصة لا أجد له هدفاً سوى صراع فكرى بين المخرجين وجماعة الإخوان. فقد ذهبت نور وأمها لأحد نواب الإخوان أثناء الانتخابات من اجل أن يجد لهم حلاً لتهديدات حاتم، فإذا بالصورة التقليدية المملة التى لا تمت للواقع بصلة، تلك الصورة التى تمثل نواب الإخوان بلحية وحركات عين زائغة وطمع للسلطة واضح وظاهر للعين والتحدث بألفاظ صعبة لا تفهم. هذا المشهد لم يحترم مشاعر الملايين ممن ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لترشيح نواب الإخوان رغم البلطجة والحبس والمنع والضرب. ولكن يبدو أن المخرجين كانا يريدان أن يقولا للناس " ها ها ها ...لقد خدعكم الإخوان ...أرأيتم".
أروع ما فى الفيلم هو الطريقة التى رسمت بها شخصية حاتم ... الشخصية المتسلطة الظالمة الرومانسية الواثقة والفاقدة للثقة والراغبة فى ملك كل شىء بالقوة إلا الحب، فلما فشلت فى أن تملكه باللين، ملكته بالقهر.
فيلم "هى فوضى" ...هو دعوة لمقابلة الفوضى بالفوضى ... وهى دعوة قد تبدو غريبة خصوصاً وأن ما يحدث بالعراق هو خير دليل لنتائج مجابهة الفوضى بالفوضى.
ولكنه فيلم ممتع ولا شك .