ربما لم أكن متحمساً لمحمود حميدة يوماً ولم أكن من محبي مشاهدة أفلامه، ولهذا تأخرت كثيراً قبل مشاهدة هذا الفيلم. ولكني وبعد مشاهدة الفيلم أحسست بما أحسست به ناحية كمال الشناوي بعد دوره الرائع في مسلسل هند والدكتور نعمان.
محمود حميدة في هذا الفيلم تفوق على نفسه واستطاع أن يقدم شخصية صعبة للغاية، واستطاع كذلك أن يحاكي ببراعة تحولها من الصرامة المطلقة للخفة والمرح متنقلاً باقتدار بين وجهي العملة، الملك والكتابة.
فكرة الفيلم بسيطة ولكنها لذيذة للغاية، فكرة أن الشكل والمضمون يجب أن يكونا متشابهين، وأن المشاكل النفسية والاضطرابات لا تأتي إلا عند اختلاف الشكل مع المضمون.
محمود حميدة يجسد شخصية أستاذ مسرحي حاد الطباع صارم لا يعرف للمزاح طريقاً، ويعامل نفسه ويعامل غيره بهذه الطريقة المرهقة، لم يعط لنفسه الفرصة لكي يكشف الحقائق ويواجهها، ولم يتعامل مع الأمور إلا بطريقة سطحية لمجرد أنه يرى أنها يجب أن تُعامل هكذا، الامر الذي جعل حياته كلها مزيفة كما قال. تزوج امرأة لم يحبها، ولم يمثل تحت شعار تقديس مهنة التدريس، ولم يكون علاقات مع الطلبة الذين يلتقي بهم كل يوم. كل هذا كان يعكس زيفاً وكان الزيف بسبب الخوف من المواجهه مع نفسه.
نقطة التحول تبدأ بالخيانة الزوجية، عندما عاد مبكراً ليجد زوجته في أحضان شاب، كانت الصدمة قوية وكشفت له حقيقة زيف حياته، ولكن رد فعله عندها كان مزيد من الحدة والصرامة والإنغلاق، وقد ظهر هذا في مشهد طرده لأحد الطلبة من مدرج المحاضرات وفي معاملته لهند صبري عندما أعلنت له رأيها بصراحة.
ولكن الأيام تمر وتهدأ نفسه نوعاً ويكتشف سخافته في التعامل مع هند صبري ويقدم لها الاعتذار، في خطوة جديدة لم يفعلها من قبل، وهو ما جعله يسأل صديقه بعدها " هو أنا ليه كدة"
وجه واحد كان يتعامل به محمود حميدة طيلة حياته، ويستمر الفيلم موضحاً كيف استطاعت هند صبري أن تزيح بهدوء هذا الوجه وتبدأ في قلب العملة وكشف الوجه الآخر، وكان هذا يعتمد على تحريره من الخوف الذي يسيطر عليه. وقد قالت هند هذا بوضوح " عاوزين نشيل الخوف من جوالك علشان الوش التاني يبان"
وبالفعل واجه خوفه من التمثيل عندما وجد نفسه فجأة يمثل أحد الأدوار، وبالرغم من فشل المحاولة الأولى إلا أن هند استطاعت اقناعه بالاستمرار..
وتحرر من خوفه تماماً عندما مثل في أحد الأفلام دور زوج تخونه زوجته، عندها واجه نفسه دون أن يدري، وقال ما كان يجب أن يقوله لزوجته يوم خيانتها له، مغيراً كلام السيناريو ومثيراً إعجاب المخرج، ليتحرر من خوفه وتبدأ حياته في الاستقرار النفسي.
ولأنه استقر نفسياً فقد تغيرت معاملته تماماً، ففي المحاضرة جاء المشهد ليحكي عن تحوله من الصرامة والجدية مع الطلاب إلى المرح وإطلاق الدعابات، وحتى في تخليه عن حبه لهند لانها يجب أن تبدأ حياتها مع من هو في سنها.
ملك وكتابة هو الشكل والمضمون، ولما يتوافق الشكل والمضمون تتحقق السعادة، ولما يختلفا تتحقق التعاسة، هكذا أراد الفيلم أن يقول.
فيلم ممتع وهو من الأفلام السايكو القليلة الرائعة في السينما المصرية.
عماد الدين السيد